إن مما أفسدَ الدين وحرفَ التديُّن: الغلوُّ والتنطُّع، والمُبالغةُ بغير علم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلوَّ في الدين، فإنما أهلكَ من كان قبلَكم الغلوُّ في الدين» أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة بإسنادٍ صحيحٍ، ولمُسلمٍ: «هلكَ المُتنطِّعون» قالها ثلاثًا.
والله تعالى يقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: 171].
ومن الغلوِّ: الغلوُّ في تعظيم الأولياء والصالحين أو تعظيم آثارهم، وقد حذَّرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال: «لا تُطرُوني كما أطرَت النصارَى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبدُ الله ورسولُه» رواه البخاري، وعن شقيقٍ عن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من شِرارِ الناسِ: من تُدرِكُه الساعةُ وهم أحياء، ومن يتَّخِذُ القبورَ مساجد» رواه الإمامُ أحمد.
ودينُ الإسلام كلُّه حسنٌ، وما نهى اللهُ عن شيءٍ إلا لضرره على الأفراد والمُجتمعات مما يُبطِلُ الإيمانَ ويُوبِقُ الإنسان، كالسحر وإتيان الكُهَّان، قال الله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [سورة طه: 69]، وقال: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة:102]، وكم تعلَّق بهذه الأوهام أُناسٌ أضاعوا دينَهم ودُنياهم، وإنحدَرَت عقولُهم إلى درَكٍ من الخُرافات جعلوها دينًا ومنهجًا، فالحمدُ لله الذي كرَّمَنا بالإسلام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنِبوا السبعَ المُوبِقات» قالوا: يا رسولَ الله! وما هنَّ؟ قال: «الشركُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وأكلُ الربا، وأكلُ مال اليتيم، والتولِّي يوم الزحف، وقذفُ المُحصنات الغافلات» رواه البخاري ومسلم.
وعند مسلمٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرَّافًا فسألَه عن شيءٍ لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين ليلة» وعند أبي داود: «من أتى كاهِنًا فصدَّقَه بما يقول فقد برِئَ مما أُنزِل على محمد».
ومن معالم الدين الحِسان: الارتقاءُ بالمحبة والعواطِف والولاء والتناصُر في وقتٍ سفُلَت بأهل الدنيا مبادئهُم، فأصبحَت المحبَّةُ والمُوالاةُ لأجل الدنيا ومصالحها، عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجدَ حلاوةَ الإيمان: أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهُما، وأن يُحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكرَه أن يعودَ في الكفر كما يكرَهُ أن يُقذَفَ في النار» رواه البخاري ومسلم.
والدينُ دينُ الله والشرعُ شرعُه، والواجبُ على من بلغَه كلامُ الله وسنةُ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبَعَ الحقَّ ويطرَحَ ما سِواه، ولا يتركَ القرآنَ والسنةَ لقول أحدٍ مهما كان، واللهُ تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].
وقد ذمَّ الله الذين أطاعوا أشياخَهم في مُخالفة أمر الله ورسوله، فقال الله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]، قال عديُّ بن حاتم رضي الله عنه: لما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية، قلتُ: يا رسولَ الله، إنا لسنا نعبُدهم، قال: «أليس يُحرِّمون ما أحلَّ الله فتُحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرَّم الله فتُحِلُّونه؟» فقلتُ: بلى، قال: «فتلك عبادتُهم» أخرجه الإمام أحمد، والترمذي.
وتوحيدُ الإعتقاد يستتبِعُ توحيدَ العمل، فيجبُ على المسلم أن يُحبَّ ربَّه ويُخلِصَ له ويُعوِّلَ عليه، وأن تكون مشاعرُ نفسه وخلَجَاتُ قلبه مُتَّجِهةً إليه لا تعدُوه إلى سِواه، المسلمُ لا يدعو إلا الله، ولا يعبُد غيرَه، ولا يُطيعُ إلا أمرَه، ولا يُنفِذُ إلا حُكمَه، يُحِلُّ ما أحلَّ، ويُحرِّمُ ما حرَّم، ويقِفُ عند ما حدَّ، ويتحرَّكُ وِفقَ ما طلَب.
والمُسلمُ مُنتصِبُ القامةِ أمام كلِّ حيٍّ، فلا يحنِي ظهرَه إلا لله، ومعرفتُه لعظمة الخالق الأحَد ولهيمنَة الله التامَّةِ على الناسِ والكون تجعلُ مشاعِرَ الرغبَة والرهبَة مُستقيمةً في نفسه، فلا تنحرِفُ ولا تضطرب، ومن أجل ذلك كان امتلاءُ القلب بعقيدة التوحيد أساسًا لخِلال القوة والعِزَّة لا ينفكُّ عنها مُؤمنٌ صادق.
الكاتب: د. صالح آل طالب.
المصدر: موقع دعوة الأنبياء.